مقدمة

تتعرض الحقوق الأساسية للمهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا إلى انتهاكات جسيمة، بلغت حدّ المساس بحياتهم وسلامتهم البدنية والنفسية؛ بسبب عدة عوامل أبرزها تلك المتعلقة بممارسات السلطات الحاكمة شرقي وغربي البلاد، بما في ذلك أساليب الاعتراض العنيفة التي تمارسها قوات خفر السواحل الليبي لإعادتهم، وأنماط الاحتجاز غير الإنسانية التي تسود السجون ومراكز الاحتجاز التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. وبشكل عام، يواجه المهاجرون وطالبو اللجوء ظروفًا لا تُحتمل تدفعهم للجوء لأي وسيلة للهرب من بلدانهم، بما في ذلك دفع مبالغ مالية كبيرة عبر السماسرة والمهرّبين والعصابات التي تتاجر بحياتهم في كافة مراحل وجودهم داخل الأراضي الليبية. ويشجعهم على سلك تلك الطرق الخطرة عدم وجود طرق أخرى قانونية وآمنة، أو التعقيدات التي تنطوي على محاولات طلب اللجوء والهجرة بشكل قانوني في أوروبا ودول أخرى.

ينظر القانون الدولي والقانوني الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية الخاصة بوضع اللاجئين إلى المهاجرين وطالبي اللجوء بصفتهم فئات هشة دفعها عدم استقرار الظروف الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية إلى ترك البلد الأصلي والبحث عن ملجأ جديد. وعملت تلك الاتفاقيات على حماية حقوق تلك الفئات على أساس إنساني بالدرجة الأولى، ونظّمت أوضاعهم وكفلت حماية حقوقهم كافة بما لا يضر بالدولة المستضيفة، ويحافظ على اعتماد المعيار الإنساني كمحدد أول لتعامل الدول وقوانينها مع المهاجرين.

وفي الوقت الذي تصد فيه السلطات الليبية المهاجرين وطالبي اللجوء بعنف قد يصل إلى إنهاء حياتهم في بعض الأحيان، يستمر الاتحاد الأوروبي في تعزيز دعمه لخفر السواحل الليبي لصد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء ومنعهم من الوصول إلى أوروبا رغم حقيقة اطلاعه على جميع الممارسات غير القانونية التي ترتكبها السلطات الليبية سواء أثناء عمليات الصد والإرجاع، أو في مرافق الاحتجاز. إلى جانب ذلك، لا تبدي الدول التي يخرج منها المهاجرون وطالبو اللجوء تحركات فاعلة وجادة لحماية رعاياها المحتجزين في ليبيا أو حتى متابعة أوضاعهم القانونية.

منهجية التقرير

يستعرض التقرير الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا، سواء أثناء عمليات الصد والإرجاع أو في السجون ومراكز الاحتجاز. يعتمد التقرير على أشهر من التوثيق الميداني، شملت مقابلات أجراها باحثو المرصد الأورومتوسطي مع عدد من المهاجرين وطالبي اللجوء وذويهم، ومتابعة دقيقة لسلوك الأجهزة الليبية المختلفة تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، وفي مقدمتها خفر السواحل، وإدارات السجون، وقوات الأمن، كما يستعرض طرق التهريب المختلفة، وتحركات الدول المجاورة لليبيا في ملف الهجرة واللجوء.

يعقد التقرير مقارنة بين حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء التي نصت عليها المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، كما يقدّم توصيات من شأنها المساهمة في استعادة الكرامة الإنسانية وصيانة الحقوق الأساسية للمهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا.

بجانب المصادر الأولية، اعتمد فريق المرصد الأورومتوسطي على مصادر ثانوية، شملت تقارير لجهات دولية موثوقة، منها مجلس حقوق الانسان، ومفوضية اللاجئين – ليبيا، وكذلك تصريحات صادرة عن جهات رسمية ليبية ومنظمات دولية ذات علاقة.

خلفية قانونية

شهدت أوضاع المهاجرين في ليبيا تدهورًا كبيرًا منذ مطلع عام 2021، لاسيما بعد الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها قوات خفر السواحل وإدارات السجون ومراكز الاحتجاز أخيرًا.

وبما أنّ حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء تستمد قوتها وشرعيتها من الحماية المفترضة نتيجة هشاشة أوضاع هذه الفئات وتعرضها للخطر أو الاستغلال في دولها الأصلية، وعدم قدرتها على اللجوء لسبل الانتصاف المحلية، فقد اعتنى القانون الدولي بهذه الفئات بشكل خاص، وأفرد لها حماية خاصة من خلال عدة مواثيق واتفاقيات مهمة، منها الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والاتفاقيات التعاقدية التي تنظم أوضاعهم وتحمي حقوقهم من الانتهاك، ومن ذلك الاتفاقية الدولية لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها الملحق لعام 1967، وإعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين 2016.

ونظرًا لخصوصيتها الجغرافية التي تشترك في حدود بحرية مع دول مالطا وإيطاليا، شكّلت ليبيا ممرًا لمئات آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء للعبور إلى أوروبا، وهذا يفسر سبب وجود عدد كبير من المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، وما استتبع ذلك من تأزم لأوضاعهم الإنسانية نتيجة عدم مراعاة السلطات لحقوقهم الإنسانية بالدرجة الأولى بموجب القوانين الدولية ذات العلاقة.

يوفر القانون الدولي حماية لمجموعة من حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، ويُلزم الدول بكفالتها للمهاجر وطالب اللجوء، كحد أدنى للتعامل معه باعتباره إنساناً بالدرجة الأولى.

كفل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تلك الحقوق بصرف النظر عن الجنسية أو انعدام الجنسية، حيث تنص المادة (2 / 1) منه على أن "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي".

وأولت نصوص القانون الدولي اهتماماً خاصة لحماية الحق في الحياة، وهو الحق الأهم الذي تستند إليه باقي الحقوق، حيث أكدت على أن الحق في الحياة هو حق متأصل يحميه القانون، فلا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفًا، وللمهاجرين غير النظاميين كذلك الحق في الحرية وفي الأمان على أشخاصهم، وقد أكدت الدول الأعضاء، في الفقرة (10) من إعلان نيويورك، تصميمها على إنقاذ الأرواح.

تنص المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وهذا الحق منصوص عليه صراحة في المادة (1 / 16) من برتوكول مكافحة تهريب المهاجرين، ولا يشمل ذلك التدخل في الحالات التي تكون فيها حياة المهاجرين غير النظاميين مهددة فحسب، بل يمتد أيضا للمبادرة إلى حمايتهم ومساعدتهم لضمان تمتعهم الإيجابي بحقوقهم الأساسية.

وتؤكد الفقرة (11) من إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين (2016)، على حق المهاجرين في الحصول على حياة كريمة، حيث ذكرت المادة ضرورة التزام الدول باحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية الواجبة للمهاجرين واللاجئين احتراما كاملاً، وشددت على أن يحيا هؤلاء الأشخاص حياتهم بأمان وكرامة.

 ووفقًا للمادة رقم (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام (1966)، تتفق الدول الأطراف، في العهد على الإقرار بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف يوفر ما يفي بحاجته من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية.

وفي مجال الحق في الرعاية الصحية تشجع الفقرة (30) من إعلان نيويورك 2016، الدول على تلبية احتياجات المهاجرين المحددة في مجال الرعاية الصحية.

تقر الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في المادة (12) منه، بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية. وتطبيق حق المهاجرين في الصحة مكفول بمقتضى مبدأ عدم التمييز المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والمادة (2-2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على سبيل المثال لا الحصر.

 علاوة على ذلك، فقد أكدت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بوضوح أن الدول ملزمة بضمان إتاحة فرص متكافئة لجميع الأشخاص بما في ذلك المهاجرين، للحصول على الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والمسكن بصرف النظر عن المركز القانوني والوثائق القانونية للمهاجر.[1]

الهجرة من سواحل ليبيا إلى سواحل أوروبا

تمثل ليبيا محطة عبور لكثير من الراغبين بالوصول إلى أوروبا لاشتراكها الجغرافي البحري المباشر مع دولة إيطاليا من خلال البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من أنّ ليبيا تعاني من تراجع في الأوضاع الاقتصادية، إلا أنّها تضم أكثر من 575,874 مهاجر وطالب لجوء على أراضيها[2] (حتى فبراير 2021)، ينحدرون من جنسيات مختلفة أغلبها أفريقية، مثل مصر، والنيجر، والسودان، وأثيوبيا، ونيجيريا وتشاد، ودول المغرب العربي. ولا يهدف معظم هؤلاء إلى الاستقرار في ليبيا، وإنّما الانطلاق من السواحل الليبية إلى السواحل الأوروبية من خلال عمليات التهريب البحري، إذ تنشط في هذا المجال شبكات تهريب منظمة تنقل المهاجرين وطالبي اللجوء من ليبيا إلى سواحل مالطا وإيطاليا، وتنقسم العملية إلى عدة مراحل بداية من البحث عن سمسار التهريب الذي يتمم الاتفاق مقابل مبلغ مالي، وانتهاءً بركوب البحر والتوجه إلى شواطئ أوروبا.

تنطوي عملية التهريب من ليبيا على مخاطر سابقة لمخاطر الرحلة البحرية نفسها، فقد يتعرّض المهاجر أو طالب اللجوء إلى المعاملة السيئة من المهربين أنفسهم، ثم الاحتجاز من السلطات الليبية أثناء دخول البلاد، أو خلال تواجده فيها، أو قبيل انطلاق رحل الهجرة، وقد يتعرض أيضًا للاختطاف على يد العصابات المنتشرة هناك بدافع طلب فدية مالية من أهله للإفراج عنه، وقد يظل عالقاً في ليبيا دون أوراق إقامة رسمية أو عمل يوفر له قوت يومه.

تبدأ عملية التهريب البحري باصطياد المهاجرين وطالبي اللجوء بالدعاية التي تروّجها شبكات التهريب داخل ليبيا أو خارجها، ومن ثم تجميعهم في مستودعات تنتشر في مدن ساحلية كزوارة وصبراتة في الشمال الغربي، وسرت شمال وسط البلاد، وطبرق والبيضاء شمالي شرقي البلاد، ومن ثم يتم تحديد موعد الرحلة البحرية والانطلاق بها عادة دون مراعاة ظروف السلامة المطلوبة. وفق الإفادات التي جمعها فريق الأورومتوسطي، تنطلق عادةً رحلات يومية من سواحل ليبيا إلى أوروبا، تنقل مجموعات كبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء على متن قوارب قديمة وصغيرة لا تستوعب غالبًا نصف العدد الذي تحمله، وهو ما يفسر جزءًا كبيرًا من حوادث الغرق التي يتعرّض لها المهاجرون وطالبو اللجوء خلال الرحلات من ليبيا إلى أوروبا. يركب المهاجرون وطالبو اللجوء القوارب دون أن يكونوا على دراية بتفاصيل الرحلة أو مسارها، أو احتياطات السلامة في حالات الطوارئ.

في بعض الحالات، تبدأ عملية التهريب البحري قبل وصول المهاجر أو طالب اللجوء إلى الأراضي الليبية، حيث يتم الاتفاق بين المهاجر وسمسار التهريب أو المهرب مباشرة، أثناء تواجد المهاجر في بلده الأصلي قبل أن ينتقل إلى ليبيا. وفي هذه الحالات يمر التهريب بمرحلتين، الأولى مرحلة التهريب البري من البلد المجاور لليبيا، ثم المرحلة الثانية، وهي التهريب البحري من ليبيا إلى سواحل أوروبا، وقد تكلّف هذه العملية المهاجر مبلغًا يتراوح بين (3,000-4,000) دولار أمريكي، في حين تتراوح تكلفة التهريب عندما يكون المهاجر أو طالب اللجوء متواجدًا داخل ليبيا بين (1,500-4,000) دولار أمريكي، وقد يزيد المبلغ أو ينقص تبعًا لخصائص الرحلة وظروف المهاجر أو طالب اللجوء ومكان تواجده.

وتبدأ معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء قبل حتى أن تبدأ رحلة الهجرة، إذ يحتجزهم المهربون قبل أيام أو أسابيع من الإبحار في مستودعات أو أراضٍ زراعية، وفي ظروف غير إنسانية، تشمل التعذيب والحرمان من الطعام والشراب والرعاية الطبية.

قال "م.م"، وهو شاب سوري من مدينة درعا حاول طلب اللجوء في أوروبا من خلال المرور عبر ليبيا: "في يونيو/ حزيران 2021، خرجت مع بعض أصدقائي عن طريق مهربين إلى لبنان هربًا من جحيم الحرب في سوريا. حصلنا على جوازات سفر رسمية من السفارة السورية في لبنان، وسافرنا من خلال مكتب سفر "ج.س" بشكل شرعي وقانوني إلى ليبيا بغية الوصول إلى شواطئ طرابلس لخوض مغامرة التهريب إلى شواطئ إيطاليا. نزلنا في مطار بنغازي، وتفاجأنا بأن وصولنا إلى طرابلس يحتاج إلى عملية تهريب جديدة داخل الأراضي الليبية، وهذا ما قمنا به بالتنسيق مع مهرب يدعى "ع.ج" الذي تعهد بإيصالنا إلى أوروبا بسلام، ولكنّه احتجزنا قبل انطلاق رحلة الهجرة لعدة أيام في مزرعة في طرابلس يحرسها عشرات المسلحين. تعرضنا خلالها هذه المدة لمعاملة قاسية، حيث كنا نتلقى وجبة واحدة يوميًا لا تكفي لسد الجوع بالحد الأدنى، وتعرضنا للضرب بالعصي الحديدية والخراطيم البلاستيكية، حتى أنّنا حاولنا أكثر من مرة الخروج من المكان والتنازل عن المبلغ المالي الذي دفعناه، ولكنه كان يرفض حتى مناقشة الموضوع".

تستخدم شبكات التهريب البحري قوارب بالية وصغيرة لنقل أعداد كبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء، دون اكتراث للعوامل المختلفة كالأحوال الجوية وتأثيرها على اتجاه الرياح والتيارات البحرية، بالإضافة إلى ملاحقة خفر السواحل الليبي أو الإيطالي أو المالطي للقوارب بغية إعادتهم للبر الليبي، ما يزيد من فرص تعرض القارب للعطب أو الغرق.

قال "حمزة بلعموري" (24 عامًا)، وهو شاب مغربي خاض رحلة الهجرة بمراحلها المختلفة انطلاقًا من ليبيا، للأورومتوسطي: "توجهت في شهر يونيو 2021 إلى مدينة وجدة على الحدود الجزائرية، حيث اتفقت واثنان من أصدقائي مع مهرب ليبي على إدخالنا الجزائر برًا مقابل مبلغ 750 يورو (نحو 840$) لكل شخص. وبالفعل عبرنا الحدود ووصلنا الجزائر، وتنقلنا بين المحافظات حتى عبرنا الحدود الليبية.

عندما وصلنا لمدينة زوراه غربي ليبيا، التقينا بالمهرب الرئيسي "أ.ع"، والذي تقاضى من كل شخص منا 3,500 يورو (نحو 4,000$) مقابل إيصالنا بحرًا إلى شواطئ إيطاليا.

مكثنا أربعة أسابيع كاملة في قطعة أرض خاصة بالمهرب "أ.ع"، تقطن بها أسرته، كنا نتناول وجبتين يوميًا، كانتا عبارة عن خبز يابس وكوب من الشاي. وفي شهر يوليو 2021، توجهنا برفقة المهرب في تمام الساعة التاسعة مساءً إلى شاطئ زوارة، وركبنا القارب في حدود الساعة 12:00 منتصف الليل من ذات اليوم. كان عددنا حوالي 20 شخصًا، وركبنا في قارب لا يتسع لأكثر من 10 أشخاص بالحد الأقصى، وكان يقوده شاب مصري الجنسية. بعد إبحارنا بنحو ساعة في ظروف بحرية غير مستقرة، طلبنا من القبطان العودة إلى ليبيا بسبب عدم استقرار الظروف الجوية، ولكنّه رفض وقال إنّ المهرّب الليبي سيقتله في حال العودة. وبعد عدة دقائق فقط، انقلب القارب نتيجة عدم استقرار الأوضاع الجوية. سمعت صديقاي والأشخاص الآخرين الذين كانوا على متن القارب يصرخون ويستنجدون لإنقاذهم، ولكن للأسف لم يكن بحوزتنا سترات نجاة أو معدات إنقاذ. انقطع التواصل فيما بيننا وفقدنا التواصل البصري بالكامل، وبات كل منا لا يعرف مصير الآخر. نجحت مع ثلاثة من ركاب القارب الغارق -مغربي وآخران من جنسيات أفريقية- بالتجمع معًا، واستخدمنا مهاراتنا الجيدة في السباحة، لكنّنا لم نكن نعرف الاتجاهات نتيجة الظلام الدامس. وبعد السباحة لمدة ثلاث ساعات ونصف، رأينا أحد المباني المضاءة في مدينة زوراه، واسترشدنا من خلاله للوصول إلى الشاطئ. في حوالي الساعة الخامسة فجرًا وصلنا إلى شاطئ زوارة، وصادفنا 3 أشخاص يعملون مع جهاز البحث الجنائي الليبي، حيث بادر أحدهم بالاتصال بالشرطة فور رؤيتنا، والتي حضرت بعد وقت قصير بسبع سيارات مصفحة، واعتقلتني مع الناجين الثلاثة الآخرين، ونقلتنا إلى أحد السجون داخل المدينة. بدأت الشرطة التحقيق معنا بعد 3 ساعات من وصولنا، دون عرضنا على طبيب أو إجراء أي فحص للاطمئنان على صحتنا.

وتابع "بلعموري" في إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي: "بدأ المحقق بتوجيه أسئلة تفصيلية عن رحلة التهريب، واسم المهرب والوجهة التي نقصدها، وقد علمت بأنه تم القبض على المهرب في ذات اليوم. وبعد عدة ساعات، تم استدعائي لمشرحة مدينة زوارة للتعرف على بعض جثث المهاجرين الذين كانوا على متن القارب، وهنا كانت الفاجعة الأكبر لي، حيث وجدت جثة صديقاي اللذين خرجا معي من المغرب وهما: "حمزة أيت محند" (25 عامًا)، و"حمزة قرشال" (23 عامًا) داخل ثلاجات الموتى.

وأضاف الشاب: "تم إحالتي لسجن مليته في مدينة زوارة، وهناك بدأت حرب من نوع جديد مع المهرب الذي كان يقبع في زنزانة مجاورة، إذ جاءني في اليوم الأول لوجودي، واعتدى عليّ بالضرب المبرح داخل الزنزانة دون تحرّك من عناصر السجن، وهددني بضرورة تبديل أقوالي وتبرئته وإلّا فإّنه سيقتلني داخل ليبيا. كنت أتعرض للتهديد اليومي عبر المهرب ذاته أو أشخاص يعملون معه داخل السجن، وقد تعرضت للتهديد من مدير السجن واسمه "جلال"، حيث طلب مني تغيير أقوالي وتبرئة المهرب وكان يقول لي أنّ ذلك من أجل مصلحتي، ولكنّي رفضت ولم أغير أقوالي".

وتابع، "مكثت في سجن مليته 67 يومًا، أصبت خلالها بفيروس كورونا وعانيت من أعراض مرضية شديدة، ورغم ذلك لم يتم تقديم المساعدة الطبية أو عرضي على طبيب بالرغم من طلبي ذلك عدة مرات. بعد ذلك تم عرضي على محكمة العجيلات، وحُكم عليّ بغرامة قدرها 1,500 دينار ليبي (نحو 325$)، دفعها والدي عن طريق صديق له يسكن مدينة زواره، وقد أُطلق سراحي بتاريخ 15 سبتمبر 2021. بعد إطلاق سراحي كنت أخشى من بطش المهرب أو الأشخاص الذين يعملون معه، لذا لجأت لعائلة صديقة وبقيت هناك فترة شهر ونصف حتى استطعت الحصول على جواز سفري بفضل والدي الذي سافر إلى تونس وأرسله إليّ عن طريق شخص عائد إلى ليبيا".

واختتم "حمزة بلعموري" إفادته بالقول: "عدت الآن إلى المغرب، ولكنّي أحمل ذكريات لا يمكنني تجاوزها. واجهت الموت، وفقدت أعز أصدقائي أمام عيني، ومررت بتجربة احتجاز قاسية، تعرّضت فيها إلى الضرب والإهانة والتهديد بالقتل".

سياسات أوروبية للحد من وصول المهاجرين وطالبي اللجوء من ليبيا

تبنّى الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الماضية سياسات عقّدت من أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء، وقيّدت طرق الهجرة واللجوء إلى أوروبا بشكل قانوني، الأمر الذي ساهم في في ظهور مسارات جديدة غير قانونية وخطرة.

منذ عام 2015، قدّم الاتحاد الأوروبي نحو 525 مليون دولار إلى ليبيا بهدف حماية حدودها الجنوبية والحدّ من وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إليها[3]، ووجّه نصيبًا كبيرًا من هذا الدعم لتعزيز قدرات خفر السواحل الليبي وتحديث معداته وتدريب كوادره، لصدّ واعتراض قوارب المهاجرين وطالبي اللجوء داخل المياه الإقليمية الليبية وإعادتها للبر الليبي قبل الوصول إلى المياه الدولية، دون الأخذ بالاعتبار الممارسات العنيفة التي يتبعها خفر السواحل الليبي ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في عمليات الصد والإرجاع، والتي تتنوع بين التعنيف المباشر لهم، أو إتلاف وإعطاب قواربهم وإمكانية إغراق من فيها.

ظهرت بشكل واضح خلال عام 2021 نتائج التعاون بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في صد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، إذ تظهر بيانات منظمة الهجرة الدولية إرجاع أكثر من 23 ألف مهاجر وطالب لجوء منذ بداية 2021 وحتى سبتمبر/ أيلول من ذات العام، وهو ما يمثل نحو ضعف مجموع من تم اعتراضهم طوال عام 2020 بأكمله[4]، حيث نقل معظمهم إلى مراكز احتجاز وسجون لا تلبي المعايير الإنسانية الدنيا للعيش الكريم.

هذا التعاون الثنائي بين ليبيا ودول الاتحاد الأوروبي بدا واضحًا بعد لقاء وزيرة الداخلية الإيطالية "لوسيانا لامورجيس" برئيس المجلس الرئاسي الليبي "محمد المنفي" بتاريخ 19 أبريل/ نيسان 2021، حيث ذكر البيان الصحفي لوزارة الداخلية الإيطالية عقب اللقاء بأن "ملف الهجرة كان على رأس جدول الأعمال، وأنّ البلدين سيواصلان التعاون من أجل تعزيز الوضع الأمني ​​في ليبيا ومحاربة الهجرة غير النظامية".

وبحسب المعلومات التي جمعها الأورومتوسطي، فإن الدعم الأوروبي لا يقتصر على التمويل والتدريب، وإنما قد يمتد إلى التنسيق الميداني بين خفر السواحل الليبي والقوات الإيطالية، بما يفضي إلى اعتراض قوارب المهاجرين، وتعريض حياتهم للخطر المحقق نتيجة السلوك العنيف لقوات خفر السواحل الليبية.

أخبر "حسن زكريا عمر" (29 عامًا) -وهو لاجئ سوداني في ليبيا حاول أكثر من مرة الهجرة عبر البحر من ليبيا إلى إيطاليا- فريق المرصد الأورومتوسطي: "في أحد أيام شهر ديسمبر 2019، انطلقت مع مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء في تمام الساعة 12:00 منتصف الليل من منطقة القره بوللي الساحلية شمال غربي البلاد، قاصدين الشواطئ الأوروبية. أبحرنا لمدة 16 ساعة متواصلة، وبعد ذلك ظهرت في السماء طائرة عسكرية -ليست ليبية- يبدو أنّها مخصصة للاستطلاع والتصوير، وبعد مغادرتها الأجواء بنحو 6 ساعات، وصلت زوارق خفر السواحل الليبي وسيطرت على القارب ونقلتنا إلى أحد الزوارق التابعة لها، وفكّكت محرّك القارب الذي كنّا على متنه وأطلقت عليه الرصاص الحي. اقتادنا خفر السواحل إلى ميناء طرابلس، وعندما وصلنا تعرّضنا لضرب مبرح وإهانة كبيرة، ولم يكن هناك تواجد لأي من فرق مفوضية الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر".

لا تتوقف الانتهاكات عند مرحلة ملاحقة القوارب على شواطئ ليبيا أو في نطاق مياهها الإقليمية والإمساك بها، بل تبدأ بعد تلك المرحلة معاناة جديدة تتمثل في الاحتجاز غير الإنساني في مناطق يطلق عليها بـ "نقاط تجميع المهاجرين" في ظروف إنسانية صعبة لا تراعي أدنى مقومات الكرامة الإنسانية، ولا تتوفر بها أي رعاية صحية للمهاجرين المتضررين من الرحلة البحرية، ليتم بعد ذلك إيداعهم في السجون التي يقع معظمها على الجانب الغربي لمدينة طرابلس، بدون محاكمات قضائية أو عرض على النيابة المختصة.

وثّق المرصد الأورومتوسطي كذلك تورّط خفر السواحل الليبي في انتهاكات خطيرة خلال عمليات إرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء، وصل بعضها إلى ارتكاب أفعال قد تُفضي إلى وفاتهم أو فقدانهم.

قال اللاجئ السوداني "حسن زكريا عمر" لفريق المرصد الأورومتوسطي: "في عام 2020، حاولت مرة أخرى ركوب البحر والهجرة إلى أوروبا، وهذه المرة انطلقنا من مدينة الخُمس الساحلية شمال غربي البلاد، تحرّك القارب في حوالي الساعة 2:00 صباحًا، وأبحرنا لمدة نحو 10 ساعات. وفي اليوم التالي عند الساعة 2:00 مساء، تعطّل محرّك القارب وعلقنا في المياه، ولم يكن أمامنا خيار سوى التواصل مع خفر السواحل الليبي لإنقاذنا، وبالفعل وصلت قوارب خفر السواحل وأجلتنا من القارب، لكنّ الصادم أنّها تركت 6 أشخاص في القارب دون أسباب، ودون وسائل معيشة، وعلى الأرجح فإنّ هؤلاء الستة فارقوا الحياة ببطء لأننا لم نسمع أي أخبار عنهم منذ ذلك الوقت".

وتؤكد الإفادات التي جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي أنّ خفر السواحل الليبي يتعمّد ضرب وإهانة المهاجرين وطالبي اللجوء أثناء عمليات الصد والإرجاع، حيث شرح الشاب السوري "م.م"، ضمن إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي: "أبحرنا في الظلام على متن قارب متهالك، وقد كنا حوالي 65 مهاجرًا وطالب لجو كان معظمهم من جنسيات أفريقية. وبعد مرور حوالي 15 ساعة اقترب زورق تابع لخفر السواحل من قاربنا وأطلق الرصاص الحي عليه، نزل عناصر خفر السواحل إلى القارب وأوقفوه واعتقلوا القبطان، وهو شاب مصري الجنسية، واعتدوا عليه بالضرب المبرح أمامنا ثم عزلوه عنا، ثم بدأوا بالاعتداء علينا بالضرب والإهانة والشتائم والألفاظ النابية".

وعلى الرغم من علم الاتحاد الأوروبي بالانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا، وحقيقة أنّ البلد ليس آمنا لإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء إليه، إلا أنّ الاتحاد الأوروبي، وإيطاليا على نحو خاص، يستمر في عقد الاتفاقات والصفقات مع السلطات في ليبيا بهدف الحد من وصول طالبي اللجوء والمهاجرين إلى أوروبا. وفي غياب آليات واضحة وفعالة لمراقبة احترام الحقوق الإنسانية لطالبي اللجوء والمهاجرين في ليبيا، فإنّ هذه السياسات أسهمت بصورة مباشرة في استمرار وتصاعد الانتهاكات بحق المهاجرين وطالبي اللجوء في السجون ومراكز الاحتجاز الليبية.

واقع سجون ومراكز تجميع واحتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا

تواصل إدارة السجون في العاصمة الليبية طرابلس احتجاز آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء داخل عدة سجون وهي: سجن غوط الشعال، سجن الزاوية، سجن عين زارة، سجن أبو سليم، مركز المباني، في ظروف غير إنسانية، ودون توجيه تهم أو إجراء أي محاكمات لهم أو عرضهم على النيابة المختصة، إذ يتم إلقاء القبض على المهاجرين وطالبي اللجوء خلال تواجدهم داخل البلاد أو أثناء رحلات التهريب البحري إلى شواطئ أوروبا، ومن ثم يتم اقتيادهم لنقاط تجميع المهاجرين. ويتم توزيعهم بعد ذلك على السجون المذكورة، وهناك يتم احتجازهم لمدد طويلة بدون أي تواصل مع ذويهم أو مع محامين للدفاع عنهم، وقد أظهرت إفادات متطابقة حصل عليها فريق المرصد الأورومتوسطي تعرض المحتجزين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بالإضافة إلى عمليات ابتزاز مالي مقابل الحصول على الحرية.

وتشير تقديرات خاصة حصل عليها المرصد الأورومتوسطي من مسؤول حكومي ليبي إلى أنّ عدد المحتجزين من المهاجرين وطالبي اللجوء في السجون ومراكز الاحتجاز ومراكز الهجرة في ليبيا قد يصل إلى 13 ألف محتجز، غالبيتهم في سجون غربي البلاد.

وتنتهك إدارات السجون حقوق المحتجزين من المهاجرين وطالبي اللجوء بإساءة معاملتهم، من خلال منعهم من الاتصال بذويهم أو توكيل محامي دفاع، ووضعهم في سجون مكتظة لا توفر الاحتياجات الإنسانية من ماء وغذاء وأدوات نظافة شخصية، وتعريضهم للتعذيب النفسي والجسدي بشكل مستمر، وعدم توفير الرعاية الصحية اللازمة. كما تتعمد السلطات إخفاء الأرقام الحقيقية والبيانات الخاصة بالمحتجزين من المهاجرين وطالبي اللجوء، ويبدو أنّ سياسة عدم الوضوح هذه مرتبطة بشكل مباشر بحقيقة الأوضاع الإنسانية التي يعيشها المحتجزون، وبحالات الفساد المالي والإداري التي يتعرّض خلالها المحتجزون للابتزاز المالي والإنساني.

وثّق فريق المرصد الأورومتوسطي عمليات ابتزاز تعرّض لها المهاجرون وطالبو اللجوء المحتجزون لقاء الحصول على حرّيتهم، وتورط في هذه العمليات ضباط ليبيون ومسؤولون في السجون ومراكز الاحتجاز. وتكون أشكال الابتزاز في معظمها مالية، إذ قد يدفع المحتجز مبلغًا يتراوح بين (400-3,000) دولار أمريكي لنيل حريته، ويختلف المبلغ تبعًا لاختلاف السمسار الوسيط وإدارة السجن المحتجز فيه المهاجر أو طالب اللجوء.

أخبر الشاب السوري "م.م"، فريق المرصد الأورومتوسطي: "تم ترحيلنا لسجن الزاوية ووضعنا في زنازين صغيرة بفتحات تهوية لا تتخطى (20×20) سم مكتظة بالمحتجزين. عايشنا ظروفًا غير إنسانية هناك، حيث كان نحصل على وجبة طعام كل (20) ساعة، تتكون فقط من رغيف خبز صغير مع قطعة جبن صغيرة وكمية قليلة من المياه المالحة. لم يتم تقديم الرعاية الصحية للأشخاص الذين أصيبوا بدوار البحر أو الأشخاص المرضى، وكان أفراد الأمن يكتفون بسكب المياه على الأشخاص الذين فقدوا الوعي لإفاقتهم"

وأضاف "بعد عدة أيام، زارنا أشخاص عرضوا علينا الافراج مقابل مبالغ مالية كانت تخضع لمفاوضات ونقاش ولكنها كانت تتراوح بين (800-2,500) دولار أمريكي، وبالفعل تفاوضت عائلتي مع أحد هؤلاء السماسرة، واتفقوا على مبلغ مالي تم دفعه للإفراج عني، وقد تم إبلاغي بعد ذلك بأنه سيتم الافراج عني بشرط عدم محاولة الهجرة بعد ذلك".

وعلى الرغم من حالة الانقسام الداخلي بين السلطات شرقي وغربي البلاد، إلا أنّهما تشتركان في السياسات التمييزية وغير الإنسانية ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، إذ تتشابه إجراءات الملاحقة، والاحتجاز والإهانة في سجون ومراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء شرقي وغربي ليبيا.

أبلغ "ج. ف"، وهو شاب مصري الجنسية يقيم في مدينة بنغازي فريق المرصد الأورومتوسطي: "تحتجز قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المهاجرين وطالبي اللجوء في سجن قنفودة في مدينة بنغازي في ظروف غير إنسانية، وقد رأيت ذلك من خلال تواجدي في السجن للإفراج عن صديق مصري حاول الهجرة ولكن قُبض عليه وتم ابتزازه ماليًا للإفراج عنه، وحينما ذهبت إليه بعد دفع المبلغ لإخراجه من السجن، شاهدت ظروف السجن السيئة من حيث الطعام والنظافة وغيرها من ظروف الاحتجاز السيئة، وكان أفراد السجن يعذبون المحتجزين من خلال الضرب المبرح والإهانة اللفظية".

ويتابع الشاب المصري "هناك عشرات من المهاجرين وطالبي اللجوء ما يزالون محتجزين في سجن قنفودة بسبب عدم قدرتهم على دفع المال، إذ يتواصل السماسرة مع أهالي المحتجزين ويعرضون الإفراج عنهم مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين (300-1,000) دينار ليبي (نحو 65$- 220$)، ويختلف المبلغ تبعًا للسمسار الوسيط وطبيعة المفاوضات بين الأهل والسمسار.

وفي بعض الحالات، يكون ثمن الحرية عبارة عن خدمات يقدّمها المحتجزون إلى الضباط الليبيين، مثل أعمال البناء والتنظيف وغيرها.

يقول اللاجئ السوداني "حسن زكريا عمر": "بعد أسبوع من الاحتجاز في سجن السكّة بطرابلس، جاء أحد الضباط إلى السجن وبحث عن سودانيين بين المحتجزين، واختارني مع سبعة آخرين وأبلغنا بأنّه يريد منّا تنظيف بيته، وبالفعل نقلنا من السجن إلى بيته ونظّفناه بالكامل، ليعرض علينا بعدها إما أخذ نقود مقابل تنظيف البيت والعودة إلى السجن، أو عدم أخذ نقود وعدم العودة إلى السجن، وبالتأكيد اخترنا جميعًا عدم العودة إلى السجن"

في أكتوبر/ تشرين أول 2021، أصدرت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا تقريرًا ناقشت في جزء منه أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز في طرابلس وبنغازي، حيث أكّد أن عددًا كبيرًا من الأشخاص يُحتجزون في السجون بعد اختطافهم على نحو غير قانوني، ولا يتم توجيه التهم إلى معظم هؤلاء السجناء، أو إدانتهم أو الحكم عليهم بالسجن بعد جلسة استماع عادلة وعلنية. ويُحتجز الكثير منهم مع منع الاتصال، وبعضهم في سجون سرية غير موجودة رسميًا، أحيانًا لسنوات دون أي احتمال لإطلاق سراحهم. ولا يتم إبلاغ عائلات السجناء بمصير أفراد عائلاتهم. ويشكل التعذيب سمة ثابتة في نظام السجون. وتتميز ظروف الاحتجاز بانعدام النظافة، والغذاء الكافي، والرعاية الطبية، فضلاً عن عدم الفصل بين الأطفال والبالغين. ووثق التقرير بعض حالات الإعدام التي نفذت بإجراءات موجزة، والتعذيب، والتجويع، والظروف غير الصحية، والحرمان من الرعاية الطبية. وانتشار العنف الجنسي، ولا سيما أثناء الاستجواب، ويتّخذ أشكالًا مختلفة، بما في ذلك الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب أو إكراه السجناء على الانخراط في الاعتداء الجنسي على سجناء آخرين. وحسب ما ذكر التقرير تُعدّ النساء عرضة للخطر بشكل خاص لتلك الأفعال، كما أنّ الرجال ليسوا بمنأى عن التعرّض للعنف الجنسي" [5]

حملة قرقاش الأمنية نموذج انتهاكات منظمة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء

في بداية أكتوبر/ تشرين أول 2021، نفّذت قوات الأمن الليبية حملة ضخمة اعتقلت فيها آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء في منطقة قرقاش بالعاصمة طرابلس، إذ احتجزت خلال أيام أكثر من 5,000 منهم، بينهم مئات النساء والأطفال، وتخلّل عمليات المداهمة والاعتقال انتهاكات جسيمة شملت الضرب والإهانة وإطلاق الرصاص داخل المنازل، ما أسفر عن مقتل أحد طالبي اللجوء، كما لم تولِ أي أهمية لحماية ممتلكاتهم بعد اعتقالهم، إذ تعرضت المنازل التي كانوا يقيمون فيها للنهب والسلب.

أبلغ "محمد أحمد السراج" (22 عامًا)، وهو طالب لجوء سوداني كان ضمن المعتقلين في حملة "قرقاش"، فريق المرصد الأورومتوسطي: "تعرضّت خلال عملية الاعتقال إلى الضرب والإهانة، كما علمت بعد الاعتقال أنّ المنزل الذي كنت أقيم فيه تعرّض للنهب، وتم سرقة معظم الأجهزة والمعدات والأغراض الثمينة التي كنت أملكها، والتي عملت لوقت طويل حتى جمعت الأموال الكافية لاقتنائها".

 كدّست السلطات آلاف المحتجزين في حملة قرقاش في مساحات محدودة داخل مراكز احتجاز متعددة في العاصمة، في ظروف إنسانية بالغة السوء. وبعد أسبوع، شهد مركز احتجاز "المباني" حالة هروب جماعي لآلاف المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في المركز، واستخدمت قوات الأمن القوة المميتة للتعامل مع حادثة الهروب، ما أسفر عن مقتل 6 من المهاجرين وطالبي اللجوء، وإعادة اعتقال عدد كبير منهم.

وحينها، أكّد رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، "فيديريكو سودا" أنّ ما حدث في حملة قرقاش "استخدام مفرط للقوة يؤدي غالبا إلى الموت، ووصفه بأنّه أمر شائع في مراكز الاحتجاز الليبية"، كما أكد أنّ "بعض موظفينا ممن شهدوا هذه الحادثة، وصفوا مشاهد لمهاجرين مصابين غارقين في برك من الدماء".

في سياق متصل، شجع التعامل الرسمي التعسفي مع المهاجرين وطالبي اللجوء بعض أرباب العمل في ليبيا على استضعافهم وحرمانهم من حقوقهم، إذ تظهر الإفادات التي جمعها فريق التقرير أنّ المهاجرين وطالبي اللجوء يتعرّضون في كثير من الأحيان إلى عمليات نصب من مشغليهم، ولا يستطيعون الوصول إلى سبل الانتصاف القانونية لنيل حقوقهم. أخبر طالب اللجوء السوداني "محمد أحمد السراج" ضمن إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي: "عملت لمدة 9 شهور عند أحد الليبيين لكنّه رفض إعطائي مستحقاتي المالية، ولم أجد أي مسلك قانوني للمطالبة بها وإلزامه بدفعها. بيئة العمل هنا خطرة جدًا، فقد تصل الأمور إلى أن يقتل المشغّل العامل في حال أصرّ على المطالبة بحقوقه المالية، ويفعل ذلك لأنّه متأكد تمامًا أنّ لا أحدًا سيحاسبه، وأنّ المهاجرين وطالبي اللجوء مجرد أرقام بالنسبة للسلطات".

الإعادة القسرية وبرنامج العودة الطوعية

ترحّل السلطات الليبية المهاجرين وطالبي اللجوء عن أرضها قسرًا في مخالفة واضحة لأحكام القانون الدولي وأحكام اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها لعام 1967.

ويعد مبدأ عدم الرد أو مبدأ عدم الإعادة القسرية مبدأ أساسيًا في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويشكل قاعدة جوهرية من قواعد قانون اللاجئين، باعتباره أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها فكرة اللجوء، بل يوصف بأنه حجر الزاوية في النظام القانوني الدولي لحماية حقوق اللاجئين.

وفيما لا تتوفر بيانات رسمية عن أعداد المرحّلين قسرًا أو جنسياتهم أو آليات ترحيلهم، تُقدّر تقارير مختلفة أعدادهم بالآلاف، وتتم عمليات الترحيل في الغالب في مناطق شرقي البلاد التي تسيطر عليها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتكون وجهة الترحيل في العادة دول السودان والنيجر وتشاد والصومال. في أبريل/ نيسان 2020، ذكر بيان لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنّ قوات حفتر رحّلت قسريًا أكثر من 1,400 مهاجر من المناطق التي تسيطر عليها شرقي ليبيا.

ويحمل مفهوم الإعادة القسرية في حالة ليبيا أكثر من احتمال، فقد تكون السلطات الليبية أعادت المهاجر أو طالب اللجوء من أراضيها إلى الحدود أو بلده الأصلي، أو أنّ قوات خفر السواحل الليبي اعترضت طريقه في البحر وأعادته إلى البر الليبي ليتم احتجازه في السجون ومراكز الاحتجاز سيئة السمعة، وفي كلتا الحالتين تكون السلطات الليبية قد انتهكت حقوق المهاجر أو طالب اللجوء وأجبرته على العودة إلى مكان لا يرغب بالبقاء فيه لخطر يتهدد حياته أو انتهاك يتعرض له.

أما فيما يتعلق ببرنامج العودة الطوعية، فقد أجبرت الظروف السيئة التي يعيشها آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء في السجون ومراكز الاحتجاز الليبية على طلب العودة لبلادهم فيما عرف باسم "برنامج العودة الطوعية"، وهو برنامج تديره منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، ويختص بمساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يقررون العودة طواعية إلى بلدانهم الأصلية، وهو جزء من جهود المنظمة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأفريقية لإعادة اللاجئين من ليبيا إلى أوطانهم الأصلية.

يتطلب الاستفادة من برنامج العودة الطوعية الإنسانية تواصل المهاجر أو طالب اللجوء مع منظمة الهجرة الدولية في ليبيا المسؤولة عن تنظيم رحلات العودة الطوعية، حيث يتم تحديد موعد مع مفوضية اللاجئين في ليبيا إما عبر الهاتف أو شخصيًا، للمساعدة في إجراءات العودة، وتكون عودة طوعية حصرًا، مع اشتراط المفوضية ألا تسبب عودة المهاجر إلى بلده الأصلي بأي خطر يتهدد حياته.

وتتواصل منظمة الهجرة مع السفارات وممثلي مختلف المجموعات في ليبيا وفي بلد المهاجر الأصلي، في سبيل تسهيل عودته الطوعية.

في حال كان المهاجر أو طالب اللجوء محتجزًا داخل السجن، فيتم طلب العودة الطوعية من فرق المنظمة التي تزور السجون على نحو دوري أو الاتصال الهاتفي في حالات توفر الهاتف.

منذ بدأ العمل ببرنامج العودة الطوعية في ليبيا في عام 2015، تم إعادة أكثر من خمسة وخمسين ألف مهاجر وطالب لجوء من ليبيا عبر برنامج المنظمة الدولية للهجرة للعودة الطوعية الإنسانية إلى دول إفريقية وآسيوية.

تتمثل ولاية المفوضية في توفير الحماية والمساعدة للاجئين وطالبي اللجوء، بينما تتعامل منظمة الهجرة الدولية مع المهاجرين وحركات الهجرة. يقدم مكتب المفوضية في ليبيا جلسات استشارية، بالشراكة مع منظمة الهجرة الدولية، للأفراد القادمين من مناطق النزاع والذين يرغبون في العودة إلى هناك [بلادهم].  بالنسبة لطالبي اللجوء/اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والذين يعربون عن اهتمامهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية (والذين لا ينحدرون من مناطق النزاع)، تقدم وحدة الحلول الدائمة التابعة للمفوضية استشارات العودة الفردية. وبعد تقديمهم الموافقة على العودة، تتم إحالة الأفراد إلى منظمة الهجرة الدولية لتسهيل إجراءات المغادرة.

وفي عام 2020 وحده، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة الليبية في طرابلس ترحيل 5360 مهاجرًا وطالب لجوء بالتعاون مع الأمم المتحدة ضمن برامج إجلاء إنساني وإعادة توطين، وبرنامج العودة الطوعية الذي استفاد منه معظم المُرحّلين[7].

وتوقف العمل بالبرنامج لعدة شهور بسبب التوتر الأمني في ليبيا وتفشي فيروس كورونا، وأعيد تفعيل العمل به أخيرًا، حيث أعلن المكتب الإعلامي لمركز إيواء طرابلس التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عن ترحيل 163 مهاجرًا نيجيريًا بينهم نساء وأطفال إلى بلادهم عبر مطار معيتيقة الدولي ضمن إجراءات العودة الطوعية.

ونظرًا للأعداد الكبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، والظروف الإنسانية والسياسية والأمنية في البلدان التي خرجوا منها، يبقى برنامج الإعادة الطوعية محدود التأثير في ظل هذا الواقع المعقّد، وفي بعض الحالات، قد يسهم البرنامج بشكل سلبي من خلال تطبيع الحلول المرحلية، والاكتفاء بها في التعامل مع أزمة بهذا الحجم، والتي تحتاج لحلول جذرية تشارك فيها جميع الأطراف المحلية والدولية، ضمن إطار الالتزام بتطبيق أحكام القانون الدولي، والاعتماد على فهم مكنون الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة الحامية لحقوق المهاجر وطالب اللجوء والدولة المستضيفة على حد سواء.

تزداد أعداد المهاجرين المسجلين في برنامج العودة الطوعية على نحو مضطرد، نظرًا للظروف غير الإنسانية التي يعيشونها في مدن وسجون ليبيا، وحتى تسجيلهم في هذا البرنامج لا يعني خلاصهم من تلك الظروف، فعليهم أولًا انتظار انطباق معايير الأولوية عليهم ليتم ترحيلهم إلى بلادهم، علمًا أنّ أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين ينتظرون الاستفادة من رحلات العودة الطوعية في المرحلة الحالية يتجاوز 1000 مهاجر وطالب لجوء، وستبقى الأعداد في ازدياد مع تمسك الحكومة الليبية وإدارة مراكز اللجوء والاحتجاز بممارسة انتهاكات حقوق المهاجرين وامتهان كرامتهم الإنسانية.

وعلى الرغم من اختلاف الترحيل القسري عن العودة الطوعية في طريقة إعادة اللاجئ إلى وطنه الأصلي، إلا أنّ الأمران يشتركان في النتيجة، وفي مجموع الظروف القاسية التي يمر بها طالب اللجوء أو المهاجر على الأراضي الليبية منذ وصوله وحتى ترحيله قسرًا، أو إجبار ظروفه له على التسجيل للعودة إلى بلاده طوعًا.

تعامل الدول المجاورة مع أزمة المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا

لا تتوقف مسؤولية المعاناة التي يعيشها المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا على السلطات الليبية فقط، فالدول التي ينتمون إليها تتحمل أيضًا مسؤولية حماية حقوق مواطنيها ورعاية أوضاعهم حيثما كانوا، غير أنّه في معظم الحالات، لا تقوم تلك الدول بتحركات جادة لدى السلطات الليبية لحماية حقوق مواطنيها، والإفراج عنهم أو حتى تحسين ظروف احتجازهم.

وتبعًا للفوضى التي تشهدها ليبيا منذ عام 2011، فإنّ قدرتها على ضبط حدودها مع الدول المجاورة محدودو للغاية، في ظل وجود شبكات التهريب التي تتخذ أشكالاً منظمة في غالبها، والتي تشارك فيها أحياناً أطراف رسمية لتحقيق عوائد مالية ضخمة من تجارة التهريب.

تشترك ليبيا في حدود برية تصل إلى نحو (4348) كم، مع ست دول هي: مصر، السودان، تشاد، تونس، الجزائر، النيجر. وفي ظل الفوضى، فإنّ السيطرة على تلك الحدود شبه مستحيل، ويزيد من صعوبة الأمر تنظيم التهريب ضمن عصابات وتشكيلات منظمة تستغل تواطؤ بعض أفراد الأمن الذين يعملون على الحدود لتسهيل مهمة عبور المهاجرين مقابل مبالغ مالية أو مصالح نفعية يتم تقديمها لهم.

التهريب من مصر إلى ليبيا

بتسليط الضوء على بؤر التهريب النشطة على حدود ليبيا نجد أن مدينة السلوم على حدود مصر تعتبر من أكثر المنافذ التي تستخدم للولوج إلى ليبيا كخطوة أولى في رحلة التهريب. وعلى الرغم من أن منفذ السلوم هو المنفذ البري الوحيد بين مصر وليبيا، إلا أنّ الإفادات التي جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي تظهر سلوك المهاجرين وطالبي اللجوء طرقًا بديلة، وذلك بالانتقال من مصر للسودان ثم ليبيا من خلال محافظة الفيوم والتي تمتد حدودها إلى الأراضي الليبية من خلال الصحراء الغربية شمال غربي مصر. ورغم أنّ هذه الطرق هي الأكثر صعوبة ووعورة، لكنّها الأكثر أماناً فيما يتعلق بالملاحقات الأمنية.

كذلك يتم استخدام طريق أخر من خلال المرور من محافظة أسوان، والطرق الصحراوية المشتركة بين مصر والسودان، وهي ذاتها التي اشتهرت خلال السنوات الماضية بمرور المهاجرين وطالبي اللجوء السوريين منها إلى السودان، ومن السودان يتم العبور إلى ليبيا وصولًا إلى صحراء "الكفرة".

وفي ظل التشديدات الأمنية على المنافذ البرية الليبية ذهب المهاجرون بترتيب مسبق من المهربين والسماسرة إلى طرق أخرى أكثر وعورة، لا يقع عليها أي نقاط أمنية، وبهذه الطرق يتم التعاون بين عناصر مصرية وليبية يتقاسمون المال، حيث تعتبر واحة سيوة من أهم الطرق بالنسبة للمهربين في الوقت الراهن.

وعلى الرغم من وجود جالية مصرية كبيرة في ليبيا تقدر بأكثر من 200 ألف مصري في ليبيا، إلا أن طرق الهجرة البرية بين مصر وليبيا لا تستخدم فقط لتهريب المواطنين المصريين بل يمر من خلالها مهاجرين من جنسيات أخرى يأتون إلى مصر بشكل شرعي أو غير شرعي للوصول لتك المنافذ.

وفي ظل حملة السلطات الليبية على المهاجرين وطالبي اللجوء، فإنّ عددًا غير محدد من المهاجرين وطالبي اللجوء المصريين محتجزون داخل السجون ومراكز الاحتجاز في ليبيا، ولكنّ الجهود الرسمية لمتابعة أوضاعهم والإفراج عنهم ما تزال متواضعة، بالنظر إلى الأوضاع القاسية التي يعانيها المحتجزون في السجون، والتي تتطلب تحركًا أكثر فاعلية لإنقاذهم.

في 12 سبتمبر/ أيلول 2021، أعلنت الخارجية المصرية نجاح جهودها في إعادة 53 مواطنا إلى القاهرة بعد الإفراج عنهم في ليبيا، كانوا قد اعتقلوا على خلفية محاولتهم الهجرة عبر البحر.

وعلى الرغم من أن هذه خطوة إيجابية على طريق تخفيف معاناة المحتجزين المصريين داخل السجون الليبية إلى أنها غير كافية، حيث يجب على مصر تكثيف جهودها لمحاربة ظاهرة عصابات التهريب التي تعمل من داخل حدودها والتي يقع ضحية أعمالها كثير من الشباب والعائلات الطامحة للهجرة واللجوء إلى أوروبا، كما ينبغي عليها بذل جهود أكبر على مستوى التنسيق مع السلطات الليبية لمتابعة أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء المصريين المحتجزين هناك ودعمهم قانونيًا وصولًا إلى إطلاق سراحهم وإنهاء معاناتهم.

التهريب من الجزائر لليبيا

الحدود الجزائرية الليبية كانت وما تزال وجهة رئيسية للدخول إلى ليبيا عبر شبكات التهريب. وعلى الرغم من التوتر السياسي الحاصل بين البلدين والذي تسبب بإغلاق الحدود لفترات طويلة، إلا أن هذا الاغلاق لم يحول دون استمرار عصابات وشبكات التهريب من مواصلة أعمالها بتهريب الشبان وذلك من خلال الرحلة التي تبدأ من مدينة زوارة التي تشتهر بأنها ممر التهريب الأكبر من الجزائر إلى ليبيا عبر الحدود المشتركة.

وتعد مدينة "غدامس" الليبية الواقعة على الحدود الجزائرية المنفذ الرئيسي للمهاجرين وطالبي اللجوء القادمين من دول المغرب العربي وعلى وجه الخصوص الجزائر والمغرب، وقد استخدمها آلاف السوريين للهرب من الحرب الدائرة في سوريا، من خلال السفر جواً إلى الجزائر أو المغرب من ثم التوجه برًا إلى المدن الجزائرية القريبة من الحدود الليبية، حيث يبحث المهاجرون وطالبو اللجوء هناك عن سماسرة للاتفاق على دخول ليبيا عبر مدينة غدامس ومنها إلى المدن الليبية الساحلية، ومن ثم إكمال رحلة الهجرة البحرية إلى أوروبا.

وقد طفت على السطح خلال الأشهر الأخيرة أزمة احتجاز مئات الشبان المغربيين داخل السجون الليبية، والذين عبروا الحدود عبر ذلك المنفذ سعيًا للهجرة إلى أوروبا.

ووثق المرصد الأورومتوسطي في 14 سبتمبر/ أيلول 2021، احتجاز السلطات الليبية مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء المغاربة منذ أشهر دون مسوّغات قانونية، وفي ظروف احتجاز غير إنسانية، وقد أظهرت المعلومات التي تلقاها فريق المرصد الأورومتوسطي أنّ المهاجرين المغاربة المحتجزين في ليبيا يتوزعون على عدة مراكز احتجاز غربي البلاد، منها مركز الدرج بالقرب من منطقة غدامس، وسجني عين زاره، وغوط الشعال، في المناطق الغربية لمدينة طرابلس، حيث يعانون من ظروف صحية صعبة، خاصة مع إصابة عدد كبير من المحتجزين في مركز الدرج بفيروس كورونا، وسط انعدام للرعاية الصحية.

وعلى الرغم من الجهود التي أعلنت عنها وزارة الخارجية المغربية لإعادة المحتجزين داخل السجون الليبية، إلا أنّ المرصد الأورومتوسطي وبمتابعته مع ذوي المحتجزين قد علم أن تلك الجهود تتسم بالبطء الشديد، إذ اكتفت –حتى تاريخ كتابة هذا التقرير- السفارة المغربية في ليبيا بأخذ بصمات عدد كبير من المحتجزين داخل السجون الليبية، وتوقف الأمر عند هذه النقطة، دون أن يحدث أي تقدم في عملية إعادتهم إلى المغرب.

التوصيات

بناءً على المعطيات السابقة، والبيانات والشهادات التي جمعها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإنه يوصي بالتالي:

 الحكومة الليبية وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر:

  1. إطلاق سراح جميع المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين تعسفيًا داخل مراكز الإيواء والسجون الليبية بشكل فوري.
  2. وقف جميع الممارسات العنيفة لخفر السواحل الليبي ضد المهاجرين وطالبي اللجوء قبالة سواحل ليبيا، ووقف عمليات ترحيلهم لبلدانهم قسريًا، ومراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية ونصوص القانون الدولي في إجلائهم والتعامل معهم.
  3. تعديل القوانين الليبية الوطنية التي تجرم الدخول والإقامة غير الشرعية، والاهتداء بنصوص اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها لعام 1967.
  4. توفير ظروف كريمة للمهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين وحمايتهم من العنف والابتزاز ووقف جميع أشكال العنف الجسدي والنفسي الممارسة ضدهم.
  5. وقف الحملات الأمنية ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في مناطق سكناهم وخصوصًا في العاصمة طرابلس.
  6. إدراج بيانات المحتجزين لدى إدارة السجون والإعلان عنها لمفوضية اللاجئين وللمنظمات الحقوقية ولحكومات المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين؛ وضمان إمكانية مراجعة احتجاز السجناء وفقاً للقانون؛ والسماح لهم بتوكيل محامي دفاع واتباع الإجراءات القانونية في التوقيف المحاكمة.
  7. توفير سبل انتصاف فعّالة للضحايا، بما في ذلك التعويضات عن التعذيب والمخالفات القانونية، وضمان محاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان أثناء الاحتجاز، وفي مراكز الإيواء والسجون، وكذلك تتبع عمليات الابتزاز المالي ومحاكمة المتورطين من السماسرة وإدارات السجون.
  8. اتخاذ خطوات للمصادقة على اتفاقية الاختفاء القسري للعام 2010، واتفاقية اللاجئين للعام 1951، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ والتأكد من موائمة التشريعات الوطنية الليبية مع أحكام هذه الاتفاقيات الدولية

الاتحاد الأوروبي:

  1. استحداث آليات رقابية للتأكد من أن الدعم المالي واللوجستي المقدم لخفر السواحل الليبي لن يسهم في تمكينه من انتهاك حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.
  2. إنشاء آلية تعاون أوروبية ليبية لنشر عدد كافٍ من مراكب البحث والإنقاذ البحري على طول الطرق البحرية، وضمان التعامل الإنساني مع من يتم انقاذهم وإيوائهم في أماكن لائقة.
  3. حث دول جنسيات المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين على أخذ دورها الطبيعي بتوفير الحماية المطلوبة لرعاياهم والتأكد من سلامة أوضاعهم الإنسانية.

التقرير كاملًا باللغة العربية
التقرير كاملًا باللغة الإنجليزية