بفضل الموجة الأخيرة من النضال والوعي لدى الرأي العام، تواجه إحدى أكبر وكالات الاتحاد الأوروبي وأكثرها تكلفة أزمة غير مسبوقة، فيما يظل الاتحاد الأوروبي، بالرغم من الخطوات المتعددة إلى الأمام، مترددًا في التحرك

.على الرغم من أنها بدأت عملها في عام 2005، لم تصبح وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) سيئة الصيت لدى عامة الناس إلا خلال العام الماضي.

بدأت إدارة الحدود تصبح تدريجيًا مسألةً سياسيةً اجتماعية، على المستويين الوطني والأوروبي، عندما بدأت تثير مخاوف إنسانية شديدة، بسبب ارتفاع وتزايد عدد الوفيات. ففي أعقاب مأساة 3 أكتوبر/تشرين الأول 2013، عندما لقي (368) شخصًا حتفهم كانوا على متن سفينة غرقت على بعد أميال قليلة من لامبيدوزا، أطلقت العديد من منظمات المجتمع المدني من كلا جانبي البحر الأبيض المتوسط ​​حملات مثل "فرونسكست" و"فرونتكسبلود" و"أيام مكافحة فرونتكس" لإدانة نظام حدود أوروبا المميت. وطالبوا "بإبلاغ الجمهور العريض بانحراف عمليات فرونتكس عن مسار حقوق الإنسان، وفضح هذه الانتهاكات للممثلين السياسيين المعنيين بالأمر بشكل مباشر". وكانوا وقتها قد طالبوا بالفعل بالمساءلة، لكنهم لم يتمكنوا من لفت أنظار الرأي العام.

   في حين أن نهج مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه فرونتكس ما يزال يتأرجح بين الإدانات المعتدلة والدعم الصريح، فإن علاقة المجتمع المدني في الاتحاد الأوروبي مع الوكالة تزداد عدائيةً بشكل علني.   

ميكيلا بولييزي، باحثة في شؤون الهجرة واللجوء في المرصد الأورومتوسطي

هذا العام، وضع الرأي العام ممارسات فرونتكس تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى، ووصف ذلك المدير التنفيذي للوكالة، "فابريس ليجيري"، بـ"شهور من خطاب الكراهية".

طوال عام 2020، أثبتت تحقيقات إعلامية متعددة بأدلة قوية تواطؤ وتورط فرونتكس في عمليات صد غير قانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء في بحر إيجه وعلى طول طريق البلقان. وحتى لو لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التشكيك في امتثال فرونتكس لمعايير حقوق الإنسان، فلم تلق التغطية الإعلامية رواجًا فقط لكشفها عن عنف عمليات الصد والأدلة الملموسة عليها، ولكن أيضًا لكشفها عن افتقار فرونتكس الصارخ لمعايير الشفافية والمساءلة.

منذ أشهر، تورطت الوكالة في سلسلة من الفضائح، بما في ذلك مضايقات في مكان العمل وقضية احتيال محتملة. فمن بين 39 من وكالات الاتحاد الأوروبي اللامركزية المزعومة التي تم إنشاؤها "للمساعدة في جعل أوروبا[...] مكانًا أفضل للعيش والعمل، وخدمة مصالح سكان الاتحاد الأوروبي ككل" لم تصبح فرونتكس الأكثر انتقادًا من قبل المواطنين الأوروبيين فحسب، وإنما أكثر الوكالات غير المرغوب فيها وغير المفيدة للمواطنين الأوروبيين. يتضح هذا من كثافة الحملات الاحتجاجية - مثل حملتا "إلغاء فرونتكس" و "ليس على حدودنا" اللتان أُطلقتا هذا الصيف، ولم تطالبا فقط بتعديل سياسات فرونتكس، بل بإلغاء تمويلها وتفكيكها.

أطلقت الاحتجاجات والاتهامات ضد فرونتكس العنان لعاصفة سياسية في جميع أنحاء القارة، وهزت أيضًا المؤسسات الأوروبية، التي اصطفت جميعًا لتوبيخ الوكالة علنًا بعبارات قاسية بشكل غير معتاد، والمطالبة بإصلاحات فورية وفعالة.

ودعا العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي" ليجيري" إلى الاستقالة الفورية، وفتح كل من أمين المظالم في الاتحاد الأوروبي ومكتب مكافحة الاحتيال بالاتحاد الأوروبي تحقيقًا بشأن الوكالة، وطالبت المفوضية الأوروبية بتنفيذ الإصلاحات المتأخرة، قائلة إنه يجب ألا يكون هناك "مجال للشك في أي عمل لهذه الوكالة". كما أنشأت لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية التابعة لبرلمان الاتحاد الأوروبي مجموعة تدقيق في مارس/آذار للتحقيق في امتثال فرونتكس لحقوق الإنسان، وكان تقريرها النهائي كافيًا وصريحًا بأن الوكالة كانت على علم بالانتهاكات التي تحدث في الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ولكنها فشلت في التحرك.

حدثت خطوة إيجابية أخرى في 21 أكتوبر/تشرين أول، عندما صوتت الغالبية العظمى من أعضاء البرلمان الأوروبي على تجميد 12% من ميزانية الوكالة لعام 2022 حتى يتم إجراء إصلاحات رئيسية، بما في ذلك تعيين 20 مراقبًا للحقوق الأساسية، وتنفيذ آلية معدلة للتبليغ بالحوادث الخطيرة، ونظام مراقبة للحقوق الأساسية يعمل بكامل طاقته.

ومع ذلك، أغلق برلمان الاتحاد الأوروبي إجراء الصرف - آلية المساءلة المالية الأهم - لميزانية 2019 لصالح فرونتكس، بعد أن كان الإجراء معلقًا منذ أبريل/نيسان الماضي بسبب تحقيقات مختلفة.

في حين أن نهج مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه فرونتكس ما يزال يتأرجح بين الإدانات المعتدلة والدعم الصريح، فإن علاقة المجتمع المدني في الاتحاد الأوروبي مع الوكالة تزداد عدائيةً بشكل علني.

في يونيو/حزيران الماضي، وعدت فرونتكس بإدانة نشطاء "إلغاء فرونتكس" الذين قاموا بطلاء جدران مبنى بروكسل بلون الدم الأحمر وإعادة تسمية الشارع بـ "شارع القتلة". وأخيرًا، بالغت في فرض رسوم قانونية في قضية فازت بها ضد منظمة المجتمع المدني الألمانية "فراكتنشتات" التي طالبت بالشفافية، على الرغم من الدعوات المتكررة من 44 منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان، وأكثر من (87,000) مواطن وحتى مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

سلط برلمان الاتحاد الأوروبي الضوء على تلك "الرسوم القانونية الباهظة للغاية"، مشددًا على أن لها "تأثير مخيف على وصول المجتمع المدني إلى العدالة وهو حق أساسي"، ودعا الوكالة إلى الامتناع عن المطالبة بدفع (10,520) يورو من النشطاء الألمان، لكن لا حياة لمن تنادي، لأن فرونتكس تستطيع ببساطة التجاهل. وواصلت الوكالة الاستفادة من دورها غير الواضح وغير المبلغ عنه والمتوسع باستمرار لسنوات، متجاهلة جميع الانتقادات، حتى من أعضاء البرلمان الأوروبي، والاعتماد على الدعم غير المشروط من مفوضية الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء.

اليوم، بفضل التحقيقات الإعلامية وحملات المجتمع المدني وزيادة الوعي العام والإجراءات القانونية التي تراقب وتندد بانتهاكات فرونتكس، اضطلع البرلمان الأوروبي بدور أقوى بصفته مراقبًا ولم يعد بإمكان قادة الاتحاد الأوروبي تجنب معالجة قضية مساءلة فرونتكس في العلن. ومع ذلك، فإنهم لا يواجهون ذلك إلا عندما تجذب الانتهاكات الصارخة أنظار الجمهور.

وفي الساعات الأخيرة أصدرت المفوضية الأوروبية قرارًا مخيبًا للآمال بنشر طائرة تسيّرها فرونتكس لمراقبة شواطئ فرنسا وبلجيكا وهولندا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، بعد وفاة 27 شخصًا كانوا يحاولون عبور القنال الإنجليزي. وبذلك يبتعد الاتحاد الأوروبي مرة أخرى عن مطالب المواطنين الأوروبيين بإلغاء فرونتكس ووقف عسكرة الحدود ومراقبة الأشخاص المتنقلين، ويوسع دور فرونتكس وسلطاتها دون حدود قانونية واضحة.