أعلنت إيطاليا في 5 أكتوبر تعديل جزئي لنصوص "المرسومين الأمنيين" اللذين قدمهما وزير الداخلية الأسبق ماتيو سالفيني، وهو زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف بين عامي 2018 و2019، إلا أن البنود الجديدة المقترحة بشأن الهجرة لا تزال بعيدة كل البعد عن الإصلاح الهيكلي، الذي يفترض أن يتعامل مع الهجرة كظاهرة طبيعية لا كأزمة مؤقتة. وعلى الرغم من تلك التعديلات المتواضعة، إلا أنها تمثل خطوة إيجابية نحو نظام لجوء أكثر إنسانية.
المرسوم الجديد فشل في إلغاء تجريم عمل المنظمات غير الحكومية التي تنفذ عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، واختار بدلًا من ذلك تقليل الغرامات المشينة على السفن التي تعمل على إنقاذ المهاجرين وطالبي اللجوء
واستنادًا إلى النحو المنصوص عليه في قانون الهجرة الإيطالي الموحد لعام 1998، فإن التغيير الأول والأهم هو إعادة تقديم تصريح الإقامة لأسباب إنسانية، حيث سيمنح هذا التصريح والذي أطلق عليه "الحماية الخاصة" للمهاجرين الذين لديهم "أسباب قاهرة ذات طبيعة إنسانية، أو تلك الناتجة عن التزامات دستورية أو دولية لإيطاليا"، حيث يستمر هذا التصريح لمدة عامين.
وفيما يخص عمليات الإنقاذ البحري، يبقى المبدأ أن وزير الداخلية لديه الصالحية لمنع السفن غير العسكرية من المرور عبر المياه الإيطالية، ولكن لا يسري هذا القرار إذا نفذت تلك السفن عمليات البحث والإنقاذ وفقًا للاتفاقيات الدولية وبالتنسيق مع السلطات المختصة أو الدولة التي تحمل تلك السفن علمها. أما في حالة ارتكاب انتهاك، فيتدخل القاضي ليتحقق من ذلك، وعليه قد يخالف طاقم السفينة بغرامة تتراوح من 10 آلاف إلى 50 ألف يورو، وتُعد هذه الغرامة خفيفة بالنظر للغرامات المفروضة بموجب المرسومين الأمنيين، إذ تصل العقوبات بموجبهما إلى مليون يورو إضافة إلى خطر السجن مدة تصل لعامين.
تسمح أحكام الهجرة الجديدة بتحويل تصاريح الإقامة الصادرة إلى تصاريح عمل لأسباب أخرى، وهو الذي لم يكن مكننًا من قبل حسب المرسومين الأمنيين. تتيح التعديلات تحويل عدة فئات جديدة تصاريح إقامتهم إلى تصاريح عمل، ويشمل ذلك أنواعًا متعددة من الإقامة منها: إقامة أصحاب الحماية الخاصة، والكوارث، والإقامة الاختيارية، وإقامة عديمي الجنسية، وطالبي الجنسية، والنشاط الرياضي، والعمل الفني، والأسباب الدينية، إضافةً إلى مساعدة القصر. وبناءً على ذلك، تسهّل التعديلات الجديدة على حاملي التصاريح الأخرى عملية الحصول على تأشيرة عمل عادية، ما يحدّ من عمليات استغلال المهاجرين وطالبي اللجوء في العمل بوظائف غير قانونية ودون عقد وضمان اجتماعي وفي ظروف غير إنسانية.
وكما تحظر التشريعات الحالية عمليات الطرد والإعادة القسرية للدول التي يتعرض فيها طالبو اللجوء للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية المهينة، تضيف التعديلات الجديدة خطر انتهاك الحق في احترام حياتهم الخاصة والعائلية، المنصوص عليه أيضًا في المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مما يعني حظر إعادة أي شخص بنى حياة مستقرة في إيطاليا باستثناء الأسباب التي تتعلق بالأمن القومي. وفي حالة الإعادة إلى الوطن، يقلّل المرسوم الجديد الحد الأقصى للإقامة في مراكز الإعادة (CPR) من 180 إلى 90 يومًا.
وبالتركيز على عملية الإدماج لطالبي اللجوء وحاملي الحماية الدولية، يهدف المرسوم الجديد إلى استعادة ما يسمى بـ"نظام حماية طالبي اللجوء واللاجئين" (SPRAR)، وهو مثال جيد عرقلته المراسيم الأمنية التي أتاحت فقط للقصر غير المصحوبين بذويهم وأصحاب الحماية الدولية الاستفادة من النظام. يتيح المرسوم الجديد لجميع المهاجرين وطالبي اللجوء الاستفادة من نظام(SPRAR)، والذي يوفّر خدمات متنوعات في مجالات الصحة والمساعدة القانونية والنفسية والتوجيه الوظيفي والوساطة الثقافية ودورات اللغة الإيطالية.
لقيت الأحكام الجديدة ترحيبًا إلى حد ما بصفتها خطوة إيجابية إلى الأمام، ومع ذلك ما تزال بعض القضايا موضع خلاف، وفي مقدمتها خطر احتجاز قوارب البحث والإنقاذ.
لا ينبغي اعتبار إنقاذ الأرواح المنكوبة جريمة تحت أي ظرف من الظروف، فالمرسوم الجديد فشل في إلغاء تجريم عمل المنظمات غير الحكومية التي تنفذ عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، واختار بدلًا من ذلك تقليل الغرامات المشينة على السفن التي تعمل على إنقاذ المهاجرين وطالبي اللجوء.
نقطة الضعف الرئيسية الثانية تتعلق بقانون الجنسية، الذي يتعامل مع الجنسية الإيطالية على أنها جائزة وليست حقًا، وما زال يعتبر أولئك الذين حصلوا على الجنسية الإيطالية مواطنين من الدرجة الثانية مع جنسية قابلة للإلغاء.
إجمالاً، تعيد التعديلات المقترحة إلى الواجهة بعضًا من أسوأ سياسات الهجرة التي فرضها المرسومان الأمنيان، لكنّها تمثّل في الوقت ذاته علامة مهمة على عدم الاستمرار في نهج الحكومة السابقة المناهض للمهاجرين.