تشكلت حكومة وحدة وطنية جديدة في إسرائيل مقرر لها أن تحكم لمدة 36 شهرًا مع انتقال رئاسة الوزراء بين بنيامين نتنياهو من حزب الليكود وبيني غانتس من حزب أزرق أبيض، وينص اتفاق تشكيل الحكومة على تفعيل حكومة طوارئ من أجل التركيز بشكل خاص على مواجهة جائحة فيروس كورونا، ولكن باستثناء وحيد وهو تصويت محتمل على ضم أراضي الضفة الغربية في وقت مبكر في 1 يوليو.
وتعكس الضرورة الملحة للضم الرغبة في الاستفادة من "صفقة القرن" الخاصة بإدارة ترامب، والتي تعزز من جانب واحد جميع عمليات الاستيلاء الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية على مدى العقود الخمسة الماضية. وتؤسس الخطة لاحتواء الفلسطينيين ضمن سلسلة من 115 "بانتوستانات" تعدم فرص إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وبينما يُعتبر الاستيلاء على الأراضي بالقوة جريمة حرب، فقد وصفها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على أنها "من الصلاحيات التي تمتلكها إسرائيل".
وأدت أخبار الضم الوشيك إلى إزعاج المؤسسة السياسية الصهيونية الليبرالية، إذ اعترفت منظمة "أمريكيون من أجل السلام الآن" بأن هذه الخطوة ستكشف بشكل واضح نية إسرائيل في الإشراف على "واقع يشبه الفصل العنصري". أما بالنسبة لمنظمة "جي ستريت"، التي عارضت تاريخياً أي لوم ذي معنى لإسرائيل - بما في ذلك الضغط الاقتصادي من أجل تحقيق حقوق الفلسطينيين من خلال المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS) – فقد وافقت على رهن التمويل الأمريكي لإسرائيل بتراجع الأخيرة عن الضم. ولعل ما يثير قلقهم، هو الخطر الذي يحدق بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وصعوبة ضمان الحفاظ على أغلبية سكانية يهودية في إسرائيل في حال انهيار حل الدولتين، ما يشكل انحرافاً عن مواقف الحكومات الإسرائيلية والأميركية في التاريخ الحديث، ولكن في الحقيقة، فإن هذا المنظور غير التاريخي، هو المشكلة بحد ذاتها.
إنّ الواقع على الأرض يعكس بالفعل ضم الأراضي الفلسطينية بحكم الأمر الواقع، إذ تستند خطة ترامب ونتنياهو للضم إلى عقود من السياسة الأمريكية السيئة في المنطقة، بما في ذلك عملية السلام الثنائية، التي بناها الوسطاء السياسيون.
ومنذ عام 1967، أصرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على أن وجود المستوطنات يتعارض مع القانون الدولي، ويؤدي إلى نتائج عكسية للسلام. ولكن على أرض الواقع، قدم كل منها دعمًا ماليًا ودبلوماسيًا وعسكريًا لا لبس فيه لإسرائيل، مما مكنها من توسيع وترسيخ مشروعها الاستعماري مترامي الأطراف. حتى إدارة كارتر، المسؤولة عن الرأي القانوني لوزارة الخارجية عام 1978 بأن المستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة "تتعارض مع القانون الدولي"، لم تندد بالأعمال الإسرائيلية إلا بعدما سرّع مناحيم بيغن عجلة توسيع المستوطنات عام 1977.
ويتضمن الدعم الأمريكي المستمر توفير الحصانة الدبلوماسية لإسرائيل في المجتمع الدولي. فوفقًا لترتيب الأرض مقابل السلام المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، وصفت الولايات المتحدة القانون الدولي كعائق أمام المفاوضات واستخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 43 مرة بين عامي 1967 و2017 لحماية إسرائيل من المساءلة الدولية. حتى في الوقت الذي لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، كما فعلت إدارة أوباما عندما امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يدين المستوطنات، فإنها سعت لضمان عدم المساس بالمستوطنات الإسرائيلية. إذ قبل ثلاثة أشهر فقط من تصويت مجلس الأمن، زاد الرئيس باراك أوباما التمويل العسكري لإسرائيل من 30 مليار دولار إلى 38 مليار دولار لمدة 10 سنوات.
وباعتبارها الوسيط الوحيد الذي نصّب نفسه من أجل السلام، فإنّ الولايات المتحدة تسهم فقط في تعزيز المصالح التوسعية لإسرائيل. وكما قال آرون ديفيد ميلر، والذي عمل مستشارًا لستة وزراء خارجية أميركيين شاركوا في المفاوضات العربية الإسرائيلية، فإنّ الولايات المتحدة تعمل "كمحامٍ لإسرائيل... على حساب مفاوضات السلام".
وعلى عكس ما يرغب الوسطاء السياسيون في الإيمان به، فإنّ "صفقة القرن" هي تتويج لسياسة الولايات المتحدة. وبالمثل، فإنّ مخطط الضم الإسرائيلي يعكس واقعًا بشرت به عملية السلام.
وتشكّل المنطقة C (ج)، التي تسعى إسرائيل إلى ضمها، نحو 60% من أراضي الضفة الغربية، وهي اقتطاع قضائي اخترعته "أوسلو الثانية"، الاتفاقية الانتقالية لعام 1995. ووفقًا للبنك الدولي، تحتوي المنطقة (ج) على "غالبية الموارد الطبيعية في الضفة الغربية" ويمكن أن تدر ما يصل إلى 3.4 مليار دولار للاقتصاد الفلسطيني. ولكن، منذ عام 1995، تحت غطاء صنع السلام، أخرجت إسرائيل الفلسطينيين من هذه المنطقة بشكل متسارع، وكدّستهم في منطقتي (أ) و (ب)، ووسعت نطاق مشروعها الاستيطاني. ووفقاً لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لم يعد الآن بإمكان الفلسطينيين الوصول سوى لأقل من 1 % من أراضي المنطقة (ج).
إن القلق بشأن ضم إسرائيل الوشيك للضفة الغربية هو قلق مشروع، ولكن يجب أن نكون صريحين بشأن السبب الذي أدى بنا إلى هذه النتيجة. إذ أن الضم الرسمي هو نتيجة متوقعة لعقود من الدعم القاطع للسياسات الإسرائيلية وهو ببساطة ختم الزور لضم إسرائيل الفعلي للأراضي الفلسطينية، فضلاً عن إدارتها الحالية لنظام فصل عنصري غير متكافئ.
أما بالنسبة لدعوات المحاسبة من الأوساط الليبرالية فقد تأخرت بشكل غير مبرر، ولكن لا يجب أن تبنى على أساس الخطوة التالية لإسرائيل. يمكن للفلسطينيين أن يخبروكم الآن أن أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث موجود بالفعل، باعتبارهم لا يملكون السيادة في دولتهم وليسوا مواطنين إسرائيليّين، ولكن يخضعون للهيمنة الإسرائيلية الدائمة. لقد حان الوقت لتوجيه اللوم لإسرائيل، على الأقل من خلال جعل التمويل الأمريكي مرتهن بسلوكها، وتحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن هذه النتيجة والتخلي عن الإطار الثنائي الأميركي الإسرائيلي في رعاية عملية السلام لصالح نهج دولي.
النشر الأول للمقالة في واشنطن بوست