قوبل إعلان رئيس هيئة الادعاء لمحكمة الجنايات الدولية الشروع بتحقيق شامل في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، بترحيب سكان غزة رغم شكوكهم بشأن إن كانت هذه الاجراءات إن اتخذت، قادرة على تعويضهم.
يقول الفلسطيني عاهد بكر وهو أب وجد وعم لأربعة أطفال قتلوا في هجوم للجيش الإسرائيلي على شاطئ بحر مدينة غزة في 16 تموز/يوليو عام 2014، "إنه من الجيد اتخاذ بعض الخطوات إزاء ما قامت به إسرائيل من جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين بعد صمت خيم على العالم".
يتساءل الرجل بغضب "ماذا كانوا ينتظرون طيلة 5 أعوام ليقوموا بفعل شيءٍ حيال هذه الجرائم؟ فكل شيءٍ موثق بواسطة الفيديو."
الأطفال عاهد عاطف بكر (10 أعوام)، وزكريا عاهد بكر (10 أعوام)، ومحمد رامز بكر (11 عاما)، وإسماعيل محمود بكر (9 أعوام)، جميعهم قتلوا عندما أغارت القوات الإسرائيلية على شاطئ بحر مدينة غزة، خلال عملية "الجرف الصامد" العسكرية على قطاع غزة.
وقتل الأطفال أمام ناظري العديد من المراسلين الأجانب، الذين كانوا قاطنين في فندق مجاور، والذين كانوا يتابعون تطورات الأحداث في القطاع. وأدى هذا إلى تدافع تقارير مباشرة حول المأساة.
يقول بكر: "كل ما أراده هؤلاء الأطفال هو بعض الهواء الطلق بعد أسبوعين من القصف المكثف. فلهذا ذهبوا للعب على شاطئ البحر. قام إسماعيل بالجري باتجاه ميناء غزة، حينها تم استهدافه مباشرةً. وعندما حاول الأطفال الثلاثة الآخرون الهروب بالاتجاه المعاكس، قامت الطائرات باستهدافهم أيضًا."
ويضيف "لن تشفي غليلي أي إدانات يسفر عنها هذا التحقيق، لأنها وببساطة لن تعيد لي أطفالي. وسيظل ذلك اليوم أسودًا في ذاكرتي حتى آخر يوم في حياتي".
لم يبدِ عاهد بكر أي علامات اهتمام عند سماع إعلان محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق شامل في جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين في القطاع.
يقول "لا يمكنني القول بأني سعيد بسماع هذا الإعلان، في حين أن كاميرات وسائل الإعلام الأجنبية وثقت الحدث بالصور والفيديو، ولايزال المجتمع الدولي بعد 5 أعوام مترددًا بشأن التحقيق في جرائم الحرب، رغم أن الكثير من هذه الجرائم صارخة الوضوح، لا يستلزمها كل هذا التردد لتنديد بها".
وبعد عام من هذه الجريمة، برأ تحقيق داخلي للجيش الإسرائيلي العناصر المسؤولة عن هذا الهجوم، وصرح أنه لن يتم توجيه أي تهم لهؤلاء الأفراد.
يعلق بكر على ذلك "لقد كانوا مجرد أطفال يلعبون. مهما كانت ذرائعهم، فإنه من الواضح أن هدفهم كان استهداف الأطفال. ويجب على المجتمع الدولي فتح تحقيق موسع في هذه الجريمة، لأن كلًا منا يعرف أن تحقيقات الجيش الإسرائيلي ما هي إلا لإخفاء جرائم افراده في حق الفلسطينيين".
وطوال فترة الحرب التي امتدت 51 يومًا، استهدف الجيش الإسرائيلي مناطق كثيفة بالسكان في قطاع غزة بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، والأسواق الشعبية، والمدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
إذ تحولت مدرسة للطالبات في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، إلى ملجأ لما يقارب 3137 فلسطينيًا مشردًا، ليتم استهدافها بشكلٍ مباشر بتاريخ 30 تموز/يوليو 2014، مما أسفر عن مقتل 21 مدنيًا من بينهم أطفال ونساء.
أبلغت أم عفاف حجازي (58 عامًا) موقع "ميدل إيست آي" البريطاني "نقطن قرابة الحدود الشمالية مع إسرائيل. وفي إحدى الليالي، عندما اشتد القصف، سمعنا إعلانًا للصليب الأحمر على الإذاعة يناشد فيها سكان حينا للإخلاء الفوري. فغادرت المنزل مع أبنائي الأربعة نحو مدرسة بنات جباليا. كونها مدرسة تابعة للأونروا، ظنناها الملجأ الأكثر أمانًا من القصف".
وكانت أم عفاف حجازي، التي توفي زوجها بعد عامين متأثرًا بجراح أصيب بها إثر قصفي مدفعي فيعام 2004، قد فقدت ابنها في حرب عام 2008، قبل يوم واحد من حفل زفافه، في هجمات استهدفت شمال بيت لاهيا.
وتقول "اجتمعنا مع ابنتي المتزوجة وأولادها وبعض النساء الأخريات في أحد الفصول الدراسية. الوضع كان بائسا ولكن لم نتمكن من الخروج من المدرسة، تم استهداف كل شيء، ورغم أنه من المعروف أن مباني الأمم المتحدة آمنة".
وتضيف "بعد حوالي أسبوعين من وصولنا، سمعنا قصفًا مكثفًا فجرا من قبل الطّائرات الحربيّة والمدفعيّة الإسرائيليّة، قبل أن يتم استهداف الفصل الدراسي الذي كنا ملتجئين به، بشكل مباشر. وحين تم استهدافه سقط سقف الفصل وانقطعت الكهرباء، وبالكاد تمكنا من انتشال أحفادي من تحت الأنقاض والفرار".
وأصيبت أم عفاف حجازي في ظهرها وبطنها وساقها. كما أن ابنتها (35 عاما) أصيبت بشظايا في الرأس والأذنين والرقبة.
وقالت أم عفاف حجازي "ما فعلته إسرائيل ليس فقط هجوما وقع وانتهى. حيث أننا مازلنا نعاني من عواقبه وستعيش آثاره معنا إلى الأبد. فابنتي تعاني آلاماً دائمة في الرأس والرقبة، وما زلنا نجد بقايا شظايا في رأسها من حين لآخر. بينما تعاني حفيدتي من الربو منذ أن أنقذناها من تحت الأنقاض".
وتتابع بنبرات غضب "لربما يدين العالم الجيش الإسرائيلي وقادته على هجوم استهدف مدرسة تحوي مدنيين، لكنهم لن يدانوا على ما سببوه من كوابيس ومعاناة تمر بها مئات العائلات منذ خمس سنوات".
وأضافت "إذا كان العالم يريد معرفة ما ألحقته إسرائيل بملايين الفلسطينيين من آلام، فعليه التحقيق في معاناتنا التي طالت".
أمل ضئيل
في نفس اليوم الذي استهدف فيه الجيش الإسرائيلي مدرسة جباليا، فإنه شن هجوما مدمرا آخر في حي الشجاعية المكتظ بالسكان في شرق غزة.
في حينه استهدفت الطائرات الحربية والمدفعية الإسرائيلية سطح منزل مدني أثناء وقف إطلاق النار في اليوم الثاني من عيد الفطر، مما أدى لمقتل 21 شخصًا على الأقل، معظمهم من الأطفال.
يقول عبد الرحمن السلك في نهاية العشرينات من عمره مالك محل للألعاب في الحي: "يمكن للطائرة الحربية التي استهدفت الأطفال على السطح بسهولة التعرف على أنهم مجرد أطفال يلعبون. لكن الجيش الاسرائيلي استهدفهم بأربعة صواريخ قتلتهم جميعا على الفور".
وفقد عبد الرحمن والده وشقيقه وستةً من أبناء أخيه في الهجوم، ويقول إن جثث الأطفال قد تمزقت إلى أشلاء، لذا لم يُتمكن من التعرف عليهم.
ويشدد على أن تحقيقات محكمة الجنايات الدولية "ضرورية حتى يدرك القادة الاسرائيليون انهم لا يستطيعون الإفلات من جرائمهم"، مستدركا "لكن بالنسبة لنا، لن تكون هناك إجراءات كافية لتعويض جميع هذه الأجيال التي لازالت تعيش تحت الاحتلال".